افتتاحية العدد الأول لمجلة الشيوعي: الاشتراكية أو الهمجية

آلان وودز

لقد كان خبر صدور المجلة الماركسية السورية “الشيوعي” سببا للاحتفال الكبير في صفوف الأممية الشيوعية الثورية.

يأتي العدد الأول لمجلتكم في لحظة حاسمة في تاريخ العالم. فنحن نعيش في أكثر الفترات اضطرابا وثورية في الذاكرة الحية.

وتحدث أحداث دراماتيكية في الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم. إسرائيل، بدعم من القوى الإمبريالية الغربية، تدفع بشكل متزايد المنطقة نحو حرب إقليمية مدمرة وشاملة، مما يبرز مرة أخرى الخيار الذي يواجه البشرية: إما الاشتراكية أو الهمجية.

التجريبيون الأغبياء لا يرون سوى الجانب السلبي من هذه الأحداث. لا يرون سوى صورة لانهيار عالمي، وحروب وأمراض ومعاناة وموت. وهذا صحيح بالفعل. فقد قال لينين ذات مرة إن الرأسمالية هي “رعب بلا نهاية”، وقد كان محقا تماما.

لكن الماركسيين ينظرون إلى التاريخ من منظور علمي، وليس بعاطفية مبتذلة أو مواعظ أخلاقية سطحية. ليست هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي نرى فيها مثل هذه الظواهر. إنها الأعراض الظاهرية لمرض كامن.

إنها دليل واضح على أن تشكيلة اجتماعية اقتصادية معينة قد توقفت عن لعب دور تقدمي، وهي تدخل في مرحلة الانحدار الحتمي. على النطاق العالمي، لقد استنفد النظام الرأسمالي دوره.

خلافاتنا مع البعثية والستالينية

في سوريا، نرى أيضا تناقضات عميقة جدا في المجتمع والدولة. فما هي خلافاتنا مع البعثية والستالينية؟

كانت البعثية في الأصل تقوم على مبادئ القومية العربية، والوحدة العربية، وما يسمى بـ “الاشتراكية العربية”. وقد كانت تلك المبادئ تمثل، من بعض الجوانب، خطوة إيجابية مقارنة بالنظام القديم وبالنسبة للبلدان العربية المجاورة الأخرى.

فملكية الدولة للموارد الطبيعية، والسياسات الحمائية، وتوزيع الأراضي على الفلاحين، والاقتصاد المخطط، قدمت بالفعل فوائد ملموسة للجماهير. ومع ذلك، فقد كان ذلك بعيدا جدا عن مفهوم الاشتراكية كما تصوره ماركس ولينين.

ظل الدور القيادي في تلك الثورة في أيدي قادة الجيش الذين، رغم خطابهم الاشتراكي، لم تكن لديهم أية نية لتسليم السلطة للطبقة العاملة. كان النموذج الذي اتبعته الفصائل اليسارية من حزب البعث السوري هو الاتحاد السوفياتي.

ولكن ذلك النموذج لم يكن نموذج الثورة الروسية بقيادة لينين وتروتسكي، بل كان نموذج النظام الستاليني الذي دمر نظام الديمقراطية العمالية الذي أسسه البلاشفة في عام 1917. وهذا يعني أن المستفيدين الرئيسيين لم يكونوا العمال والفلاحين، بل فئة متميزة من ضباط الجيش والبيروقراطيين الذين امتلكوا السلطة الحقيقية.

كانت العلاقة مع الاتحاد السوفياتي توفر مكاسب كبيرة. حيث تلقت سوريا حوالي 294 مليون دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية من الاتحاد السوفياتي. لكن ذلك الوضع تغير بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

كان الإمبرياليون معادين للنظام السوري، ليس بسبب غياب الديمقراطية (فهذا لم يمنعهم من دعم الأنظمة العربية الأكثر رجعية وقمعية مثل السعودية ودول الخليج)، بل بسبب العناصر التقدمية في النظام: الاقتصاد المؤمم وتخطيط الإنتاج. 

نحن بالتأكيد نعارض نظام الأسد، ونعتبره نظاما دكتاتوريا ونناضل من أجل إسقاطه، لكن مهمة تحقيق التغيير الجذري والعميق لصالح العمال والشباب الثوريين و الفلاحين الفقراء هو من مهام الجماهير الثورية في سوريا وليس القوى الإمبريالية وعملائها 

من الواضح أننا كنا وما زلنا نعارض بشكل جوهري هذه المؤامرات الإمبريالية وكذلك الأعمال العدوانية التي يقوم بها النظام الإسرائيلي، الذي يمثل مصالح الإمبريالية والرجعية.

لكن حدود نظام البعث قد باتت واضحة تماما من خلال التاريخ الحديث. عندما تولى بشار الأسد السلطة خلفًا لوالده في عام 2000، وعد بأن تحل الأسواق محل ما يسمى بـ”الاشتراكية العربية”. قام بتفكيك وخصخصة الاحتكارات التي كانت مملوكة للدولة.

لكن المنافع تركزت بين أولئك الذين كانوا مرتبطين بالنظام، بينما وجه إنهاء الدعم ورفع الأسعار ضربة قوية للفلاحين الريفيين والعمال في المدن. وبسبب ضغط العمل، لم أتمكن مؤخرًا من دراسة الوضع الحالي في بلدكم بشكل مفصل، ولكن يبدو لي أن أحوال الجماهير لا تزال سيئة للغاية.د

رغم بعض النجاحات، لم ينجح النظام بعد في إعادة الوضع إلى ما كان عليه. لم يتم القضاء على الحرب الأهلية بشكل كامل. الإمبرياليون لا يزالون يحتفظون بموطئ قدم على الأراضي السورية، التي تتعرض باستمرار للتهديد والمضايقة من قبل إسرائيل. ولا تزال القضية الكردية دون حل.

وفقًا لبعض الإحصاءات التي اطلعت عليها، يعيش حوالي 90% من السكان السوريين تحت خط الفقر. ارتفعت أسعار كل شيء – من الغذاء إلى الوقود والدواء والخدمات الأساسية – بشكل كبير في جميع أنحاء البلاد خلال العام الماضي فقط، مما جعل الكثير من الناس غير قادرين على تحمل تكاليف الحياة اليومية.

وفوق كل ذلك، تتصاعد أزمة الحرب مع الاستفزازات العدوانية لنتنياهو والزمر الحاكمة في إسرائيل.

في الوقت الحالي، يبدو أن الرجعية تسيطر على كل شيء بشكل ثابت. و من الممكن أن يستنتج البعض استنتاجات تشاؤمية من هذا الوضع، ولكن سيكون هذا خطأً جسيمًا.

في عام 1940، عندما احتلت جيوش هتلر فرنسا وألحقت هزيمة مذلة بالبرجوازية الفرنسية وقواتها المسلحة، جرى حديث مثير بين قائد ألماني وضابط فرنسي مهزوم.

و بغرور في لحظة النصر، تفاخر القائد الألماني بنجاحه. رد الضابط الفرنسي بهدوء: “نعم، لقد دارت عجلة التاريخ. وستدور مرة أخرى”. وبالفعل، دارت. ففي النهاية، كانت ألمانيا النازية هي التي اضطرت إلى تجرع مرارة الهزيمة.

مشكلة القيادة

لقد بدأ تيار التاريخ في التحول، وسنبدأ في السباحة مع التيار، وليس ضده.

إذا نظرنا إلى حالة العالم في الوقت الحاضر، قد نستخلص أكثر الاستنتاجات تشاؤمًا. لكن هناك جانب آخر لهذه الصورة. على أساس تجربة الصراع الطبقي، ستعود أفكارنا، أفكار الماركسية الثورية، مرة أخرى إلى الصدارة.

لقد أثبت النظام الرأسمالي المتدهور في كل مكان أنه غير قادر على توفير حتى أبسط شروط الحياة للجماهير. المستقبل الوحيد الذي يقدمه هو انخفاض مستويات المعيشة، الفقر المتزايد، البطالة، اليأس، الحروب المستمرة، الاضطرابات، والموت.

و من جهة أخرى، تدهورت أوضاع الجماهير إلى درجة أصبحت فيها الحياة لا تطاق. هناك انفجار يُحضَّر سيضع الثورة على جدول الأعمال.

لكن المشكلة الرئيسية تكمن في القيادة. قوتنا ما زالت صغيرة جدًا بالمقارنة مع المهام الهائلة التي يفرضها التاريخ. و هذه ليست المرة الأولى التي تجد التيارات الماركسية نفسها مضطرة للنضال ضد التيار.

لكننا لا نخاف من أن نكون أقلية. قال إنجلز: “ماركس وأنا كنا أقلية طوال حياتنا، وكنا فخورين بأن نكون في الأقلية”. عندما أطلق لينين جريدته *إيسكرا* في عام 1902، كانت قوى الماركسية الروسية الشابة ضعيفة جدًا من حيث العدد، لكنها كانت قوية جدًا من حيث الأفكار.

لقد كانوا مضطرين للعمل في ظروف صعبة وخطيرة من السرية، في مواجهة دولة هائلة وقوية بجهاز قمع رهيب. قلة قليلة كانت تعتقد أن لديهم فرصة للنجاح. لكنهم، مسلحين بالأفكار والأساليب الصحيحة، وتحت قيادة لينين وتروتسكي، تمكنوا من قيادة العمال والفلاحين إلى الاستيلاء على السلطة في عام 1917. وهذا يمثل دليلًا صارخًا على قوة الأفكار. و أفكار الماركسية هي الأقوى على الإطلاق.

ما هو الحل؟

كما كان الحال مع الماركسيين الروس في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، مهمتكم الآن هي البدء. هذه هي أصعب مهمة دائمًا. ولكن بمجرد أن يبدأ التحرك، نحن واثقون من أن الفرص الأكثر ملاءمة ستفتح أمام الاتجاه الثوري الذي يتمتع بالجرأة الكافية لاقتناصها.

أغتنم هذه الفرصة لأرسل رسالة إلى العمال والشباب الثوريين في سوريا: لا يوجد أي طريق للتقدم داخل حدود النظام الرأسمالي.

الثورة الاشتراكية في سوريا لا يمكن أن تنجح إلا كجزء من النضال العام للجماهير في الشرق الأوسط ضد طغيان الإمبريالية وحليفتها إسرائيل، جنبًا إلى جنب مع عملائها المخلصين من الطبقات السائدة الرجعية في الدول العربية.

سيكون هذا النضال طويلًا وصعبًا، لكنه سيجد دعمًا حيويًا في حركة العمال والشباب الذين بدأوا في مقاومة الهمجية الإمبريالية من خلال مظاهرات احتجاجية ضخمة من لندن إلى نيويورك.

الطبقة العاملة في جميع البلدان تواجه عدوًا مشتركًا. هذا العدو قوي جدًا، لكن قوته ليست غير محدودة. وستنكشف نقاط ضعفه بسرعة من خلال الصراع القادم في الشرق الأوسط. ولكن هناك قوة في العالم أقوى بكثير من أي دولة إمبريالية.

الأممية البروليتارية هي ليست مجرد شعار فارغ. الآن، أكثر من أي وقت مضى، هي الحل الوحيد لمشاكل البشرية.

 لقد ظهرت هذه القوة في الثورة الرائعة التي اجتاحت الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في 2010 و2011، عندما أطاحت بالأنظمة الفاسدة والرجعية في عدة دول واحدة تلو الأخرى.

فيما عُرف بالربيع العربي، شهدنا كيف أدت التناقضات المتفجرة في المجتمع إلى انتفاضة ثورية جماهيرية. حدث ذلك فجأة، دون سابق إنذار، وكأنه صاعقة من سماء صافية. لم يكن أحد يتوقعه. نتيجة لذلك، ضاعت الفرصة. لكن كل التناقضات لا تزال قائمة، والانفجارات الجديدة ليست إلا مسألة وقت.

أظهرت تلك الحركة الرائعة القوة الهائلة التي تمتلكها الجماهير. بمجرد تعبئة الجماهير من أجل الاستيلاء على السلطة، لا توجد قوة على الأرض يمكن أن توقفها.

ولكن كان هناك شيء مفقود: قيادة ثورية يمكنها أن توفر للحركة الجماهيرية التوجيه والاستراتيجية والبرنامج الضروري لضمان النصر. في غياب هذه القيادة، تمكنت القوى المضادة للثورة من إعادة تنظيم صفوفها وأخذ زمام المبادرة. وذهبت كل جهود الجماهير أدراج الرياح. هذا هو الدرس الأكثر جوهرية الذي يجب أن نستخلصه.

صحيح أن عقودًا من الحكم البيروقراطي الستاليني قد أعاق الحركة، لكن أفكار لينين وثورة أكتوبر لا تزال حية، وهي السبيل الوحيد لخلاص الجماهير الكادحة. في كل مكان، نشهد عملية جذرية تتبلور. قد تتسارع أو تتباطأ وتيرتها، لكنها قائمة وتزداد قوة وتأثيرًا مع مرور الوقت.

على مستوى العالم، بدأ جيل جديد في التحرك. هذا الجيل يبحث عن راية، برنامج، وفكرة. لهذا الجيل الجديد، تقدم أفكار ماركس، إنجلز، لينين وتروتسكي دليلًا وبوصلة ستقودهم لاكتشاف الطريق المؤدي إلى الاشتراكية.

من وسط هذه الفوضى والمعاناة وسفك الدماء، يكافح عالم جديد للولادة. في كل مكان، بدأت الجماهير تتحرك في اتجاه ثوري. واجبنا، ونحن مسلحون بالنظرية الماركسية، هو أن نساعد في تسريع ولادة هذا العالم الجديد بأسرع ما يمكن. 

إن الأممية الشيوعية الثورية هي الوحيدة التي دافعت باستمرار عن الأفكار الحقيقية للماركسية.

نحن واثقون من أن الماركسيين السوريين سينجحون في نشر هذه الأفكار بين أوسع قطاعات العمال والشباب المتقدمين، وبناء التنظيم الضروري لانتصار الثورة الاشتراكية.

باسم السكرتاريا الأممية  وجميع الرفاق في الأممية الشيوعية الثورية حول العالم، أبعث إليكم بأحر تمنياتي.

نتمنى لكم كل التوفيق في مشروعكم الجديد، وأنا على يقين أنه سيمهد الطريق لتحقيق نجاحات كبرى في المرحلة المقبلة.

تحيا الأممية الشيوعية الثورية!

يحيا الماركسيون السوريون!

تحيا الثورة الاشتراكية العالمية!

إرسال التعليق