13 سنة من الإفلاس العام: لا بديل عن الثورة الاشتراكية

صادف شهر آذار من هذا العام الذكرى الثالثة عشر لاندلاع الحراك الثوري السوري. ومثل كل عام تغرق وسائل التواصل الاجتماعي والمحطات الإعلامية بخطابات السحرة والمشعوذين المشاركين في هزيمة الثورة من دون تقديم أي جديد بل و يستمرون بوأد أي محاولة نهوض ثوري ويتنصلون من مسؤوليتهم المباشرة في هذه الأزمة المستعصية وفي هذا الإفلاس العام

☭ بشار الأسد: ليبرالي سوريا الأول

منذ أيام أطل علينا بشار الأسد ليستمر وبكل وقاحة بوصف نفسه وحزبه بالاشتراكية. لا يمكن أن نقول عن نظام أو حزب بأنه اشتراكي فقط لأنه وصف نفسه بذلك، وفق هذا المعيار فإن النازيين أيضاً اشتراكيين. طبقاً للماركسية إن ما يحدد الطبيعة الاشتراكية للنظام هو أن يكون فيه فائض الإنتاج ملكية للجميع وليس ملكية خاصة وذلك بفعل الاقتصاد المخطط و المؤمم تحت رقابة العمال الديمقراطية وليس تحت رقابة الفئات البيروقراطية أو العسكرية.

بعد تولي بشار الأسد للسلطة قام بتطبيق إجراءات ليبرالية من حيث قيامه بتحرير السوق الأمر الذي أدى إلى نتائج اقتصادية كارثية حيث ارتفع معدل التضخم حسب المجموعة السورية للإحصاء من 2% في عام 2001 إلى 56 % في عام 2010. لم تؤدي سياسات الخصخصة إلى ما كان يُنظر به مُنظرو الليبرالية من انتعاش. فقد انخفض معدل النمو من 3.8 % في عام 2001 إلى 3.4% في عام 2010.

انخفاض معدل النمو المصحوب بنسب تضخم عالية أدخل الاقتصاد السوري فيما يسمى الركود التضخمي. بلغ معدل البطالة حسب خارطة البطالة في سوريا 11.7 % من قوة العمل في عام 2003 أي أنها ازدادت من خلال السنوات ( 1999-2003) بمعدل وسطي يقارب ال 7.19 % والنسب الحقيقية هي أعلى من ذلك بكثير حيث أشارت بعض المصادر أن تعريف المشتغل وفق هذه الإحصاءات كان هو الشخص الذي عمل لمدة ساعة واحدة فقط أي أن البطالة المقنعة كانت في أعلى نِسبها. كل هذا ترافق مع قيام الطبقة البرجوازية في سوريا بمراكبة أرباح خيالية حيث بلغت ثروة رامي مخلوف لوحده أكثر من 5 مليارات دولار.

تحرير الاقتصاد والاستمرار بالهيمنة على الميدان السياسي أوصل المجتمع السوري إلى نقطة قريبة من نقطة الغليان جعل من اندلاع الحراك الثوري حقيقة بفعل انطلاق ما يسمى بثورات الربيع العربي. وعليه ما حصل في سوريا في منتصف آذار من عام 2011 هو حراك ثوري له أسبابه الموضوعية و لا يمكن بأي حال من الأحوال إدراجه تحت ادعاءات المؤامرة كما يفعل النظام و من يقف في صفه من أحزاب شيوعية ستالينية. لكن هذا لا ينفي المآل الذي أدى إلى هزيمة الثورة و انتصار الثورة المضادة بسبب غياب العامل الذاتي للنصر ألا وهو الحزب الثوري. هذا الغياب أدى إلى صعود قوى الثورة المضادة إلى مسرح الأحدث في سوريا متمثلة بالتيارات الليبرالية إسلامية وعلمانية و فرض المجلس الوطني السوري كقيادة معترف فيها للحراك الثوري.

☭ استمرار خيانة الليبراليين و الأحزاب الشيوعية التقليدية

بعد 13 عام وفي نفس الشهر أطل علينا قدري جميل ( زعيم حزب الإرادة الشعبية “الستاليني”) من موسكو ليخبرنا بضرورة نقل أعمال اللجنة الدستورية إلى دمشق و أنه متفائل في السيناريو الحالي الخالي من القطب الواحد. ترويج لبروباغاندا الأوليغارشية الروسية الشريكة في معاناة العمال والفلاحين السوريين. من واشنطن أتحفنا ماهر شرف الدين و يحيى العريضي بحرص ” العالم الحر” على الاستمرار بدعم مطالب الشعب السوري بالحرية. يستمر هؤلاء البائسون في إدارة أهم استثمار للولايات المتحدة الأمريكية في سوريا ألا وهو الاستثمار بتأبيد الجهل السياسي.

لا فائدة ترجى من هؤلاء ولا بد للطبقة العاملة من امتلاك زمام المبادرة. أوضح تروتسكي أنه في البلدان التي تشبه بلداننا وبسبب الدور الرجعي لليبراليين و البرجوازية الناشئة يتعين على الطبقة العاملة أن تأخذ زمام المبادرة في تنفيذ المهام التي تخص الثورة الديمقراطية و أن تتعداها لإنجاز الثورة الاشتراكية أي كسر قبضة الطبقة السائدة ووضع وسائل الإنتاج تحت رقابة العمال من أجل تطوير اقتصاد صناعي حديث.

☭ محاولات يائسة للنهوض الثوري

من السويداء إلى حمص إلى ريف حلب و إدلب. يجدد الشارع من حين لآخر محاولاته في النهوض الثوري ولكن من دون أي أفق بسبب غياب القيادة الثورية. السويداء التي مازال المحتجون فيها يتظاهرون منذ 10 أشهر وصلت إلى طريق مسدود بعد هيمنة القوى الرجعية ( الدينية والليبرالية وبقايا مدعي الشيوعية) على الساحة. على الرغم من ظهور العديد من الشعارات الاقتصادية إلا أنه وبالمجمل مازال حديث معظم التيارات السياسية يتمحور حول ترديد شعار ” الديمقراطية”.

حال هؤلاء مثل حال الأرنب اللعبة الذي يملك مفتاح في ظهره. عند إدارة هذا المفتاح يبدأ بالمشي في كل الاتجاهات مردداً الكلمات التي تم برمجته عليها. إن المطالب الديمقراطية بحد ذاتها غير كافية لتعبئة كل فئات الجماهير. بعد فشل تجربة الديمقراطية في تونس ومصر بإنجاز أي تحسن و بعد كل ما حصل في سوريا من دمار وخراب فإن طرح شعار الديمقراطية بشكل مجرد بدون ربطه ببرنامج يحمل أفق للتغيير الاقتصادي الجذري والعميق ويقوده حزب ثوري يعرف كيف يتقدم وكيف يتراجع بأقل الخسائر، سوف يجعل الجماهير تنظر إلى كل ما يحدث بأنه بداية لاضطرابات وصراعات جديدة لا فائدة منها وهذا ما يفسر عزلة الحركات الجديدة وعدم حصولها على الدعم الجماهيري.

☭ التاريخ السياسي ما بعد الاستقلال

للنضال ضد نظام الأسد وتقديم البديل الجذري علينا فهم آلية وصول البعث للسلطة. منذ لحظة جلاء المستعمر الفرنسي حدثت العديد من التغيرات في الحياة السياسية في سوريا. هذه التغيرات السياسية لم تؤدي إلى حدوث تغيرات جذرية في الحياة الاقتصادية وطبيعة العلاقات الأساسية بين الفقراء و الأغنياء. وبنفس الحالة ظلت الدولة على ما كانت عليه رغم التغيرات بأشكال الحكم وستبقى كذلك إن لم يصل العمال والفلاحيين للسلطة.

بعد جلاء المستعمر الفرنسي عن سوريا ترك البلاد وفيها طبقة برجوازية ضعيفة وطبقة عاملة كفاحية لكنها ضعيفة تنظيمياً وتفتقر للقيادة. هذا الوضع أدى إلى حالة لم تستطع فيها أي طبقة حسم السلطة لصالحها. وكون أن المجتمع كالطبيعة لا يقبل الفراغ فقد شهدت سوريا فترة من الانقلابات العسكرية كمحاولات لتعبئة هذا الفراغ. نتيجة لهذه السلسة من الانقلابات وصل حزب البعث الى السلطة في انقلاب عام 1963. نفذ هذا الانقلاب الفئة الراديكالية من ضباط الجيش البرجوازيين الصغار والذين وعلى الرغم من تنفيذ العديد من المهام التي تخص الطبقة العاملة إلا أن الطبقة العاملة في سوريا لم تبرز كقوة قيادية مستقلة بالمجتمع و أخذ نظام الحكم الشكل البونابارتي البروليتاري.

وكما رأينا مرات عديدة في التاريخ فإن الجناح الأكثر ثورية هو من يلعب الدور في إنشاء النظام وتوطيده ولكن بسبب طبيعة الجهاز البيروقراطي المحافظ و المعادي للثورة الذي تم إنشاؤه و الناتج عن الطبيعة البونابارتية للنظام فإن العناصر الأكثر براغماتية تسيطر على العناصر الأكثر راديكالية وتحل محلها. هذا هو التفسير للتغيرات المستمرة التي حصلت على رأس النظام بين عامي 1964-1966 وبعدها أتت نكسة عام 1967 والتي أزمت موقف صلاح جديد و أتباعه و زادت التوتر بينهم وبين التيار المحافظ ضمن حزب البعث بقيادة حافظ الأسد و الذي دعا إلى موقف أكثر اعتدالاً بخصوص السياسات الاشتراكية التي كان يتبعها صلاح جديد.

مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلاف الكبير بين التجربتين، فكما استفاد ستالين وجهازه البيروقراطي فيما بعد من الإنجازات التي قام بها البلاشفة تحت قيادة لينين وترتكسي فإن حافظ الأسد وجناحه المحافظ استفادوا أيضاً من الإنجازات التي قام بها الجناح الأكثر ثورية في حزب البعث.

☭ التأميم في سوريا: بيروقراطي و ليس عمالي

لقد كان الاقتصاد المؤمم المخطط مركزياً في سوريا قبل صعود الأسد للسلطة هو الذي وفر الأساس للتوسع والنمو الاقتصادي السريعين. خلال الستينيات ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة إجمالية قدرها 80%، وفي السبعينيات وصل الرقم إلى 336%. هنا سوف يهاجمنا أعدائنا بأننا نروج لحزب البعث. نحن ندعم أي اجراء من شأنه أن يحسن وضع الطبقة العاملة ولكننا لا نملك أدنى وهم بأن الضباط البرجوازيين الصغار قادرون على تقديم الحلول لكن التغيير لا يمكن أن يكون إلا عن طريق الثورة الاشتراكية التي يجب أن يقوم بها العمال والفلاحين تحت رقابة العمال. تحدث ماركس بأنه يجب أن تكون وسائل الإنتاج بيد الدولة ولكن تابع ليؤكد أن ذلك غير كافي من حيث أن الدولة يجب أن تكون بيد العمال وهي الحالة التي لم تكن موجودة في سوريا.

الإجراءات التي قامت بها فئة الضباط العسكريين تنبع من واقع حال الدول المستعمرة وشبه المستعمرة. كما ذكر تروتسكي في مقالته عن الصناعة المؤممة و الإدارة العمالية فإن الدولة البونابارتية تستطيع أن تحكم إما بالمناورة مع البروليتاريا ومنحها بعض الامتيازات وبالتالي أن تكسب إمكانية الحصول على هامش من الحرية في مواجهة الرأسماليين الأجانب و إما بجعل نفسها أداة للرأسمالية الأجنبية وتضع البروليتاريا في أغلال ديكتاتورية عسكرية كما حصل بعد أن وصل الجناح المحافظ بقيادة حافظ الأسد و الذي بدأ باتخاذ إجراءات ليبرالية تدريجية انتهت بالانفتاح مرة واحدة لاقتصاد السوق في عام 2000.

☭ العجز الإيديولوجي للبرجوازية

يطرح العديد من ليبرالي سوريا برامجهم والتي تتحدث عن نهضة في سوريا تشبه نهضة البرجوازية التي حصلت في الغرب. هم بهذا الطرح وكأنهم يطلبون من رجل مسن يبلغ من العمر 100 عام أن يقوم بالأعمال الشاقة التي ينجزها شاب عمره 20 عام. فالبرجوازية التي نشأت في الغرب مرت بمراحلها العمرية الطبيعية من حالتها الجنينية مروراً بمرحلة شبابها وصولاً إلى ما هي عليه الآن من عجز الشيخوخة.

أما البرجوازية التي في بلداننا المستعمرة وشبه المستعمرة فهي وصلت إلينا في مراحل شيخوخة البرجوازية أي في فترة الأفول حيث لم تعد قادرة على القيام بمهامها التاريخية التي قامت بها بفترة شبابها في أوروبا. و لتمهيد الأجواء لهذه المهزلة يريد الليبراليون اقناعنا أن نظام بشار الأسد ضد الوحدة وضد الحرية ولكنه مع الاشتراكية. هذا الطرح الفارغ الذي يتم الترويج له والذي يربط الاشتراكية والشيوعية بكل ما هو قبيح ناجم عن افلاس الإيديولوجيا الليبرالية بصفتها أيديولوجيا الطبقة البرجوازية التي وصلت لطريق مسدود.

ليس فقط في سوريا، بل في كل أنحاء العالم أصبحت هذه هي استراتيجية الطبقة السائدة. هذا الطريق المسدود جعل البرجوازية غير قادرة على انتاج أي تعميمات جريئة. لذلك أصبحت الليبرالية الحديثة في معظم محاولاتها تسعى للقضاء على البديل الشيوعي عن طريق تشويه سمعته من جهة و من جهة أخرى عن طريق التشكيك براهنيته.

لذلك نجد مفكري ما بعد الحداثة يتكلمون دائماً عن “نهاية الإيديولوجيا” و أن الإيديولوجيات أصبحت من الماضي. عجزهم عن التطور الإيديولوجي فرض عليهم انكاره. إن أكثر ما ساعد البرجوازية الحديثة في ذلك هو صعود البيروقراطية الستالينية وهيمنتها على حركات التحرر العالمي. في مقالته ” نظام الأسد كيف كان وما الذي صار عليه ” كتب الرفيق فريد ويستون وهو عضو قيادي في الأممية الشيوعية الثورية ما يلي:

مأساة الوضع السوري هو أنه بسبب سنوات من الديكتاتورية الخانقة لم يكن من الممكن بناء مجموعة معارضة اشتراكية حقيقية داخل البلد و علاوة عن ذلك فإن حقيقة نظام الأسد كان ينظر إليه على أنه قريب من الاتحاد السوفياتي أدى في وعي الجماهير إلى ضرب مصداقية فكرة أن الشيوعية يمكنها أن تحل مشاكل الشعب السوري

بالإضافة إلى ذلك فقد لعبت مواقف الأحزاب الشيوعية حول العالم القائلة بأن نظامي الأسد وبوتين معاديين للإمبريالية دوراً في تسهيل مهمة الطبقات السائدة بالترويج لدعايتها. إن فقدان الذاكرة التاريخي هذا يعاني منه كل من الأحزاب الشيوعية والليبرالية على حد سواء ويتجاهل سلوكيات الأسد الأب و الابن وتعاونهم مع الإمبريالية من لحظة محاربة جيش حافظ الأسد تحت راية الامبريالية الأمريكية في الكويت مروراً بتحرير وخصخصة السوق في سوريا بناء على توصيات صندوق النقد الدولي عند وصول بشار الأسد للسلطة وصولاً إلى تعاون نظام بشار الأسد لوجستياً واستخباراتياً مع الجيش الأمريكي أثناء الاجتياح الأمريكي للعراق وما ترتب عليه من زيادة الدعم الامبريالي لنظام الأسد وتزويد الأجهزة الأمنية السورية بأحدث تقنيات الرقابة والتنصت.

☭ الليبرالية القديمة ذهبت إلى غير رجعة

كانت الرأسمالية في فترة صعودها قادرة على إنجاز تطورات ضخمة. لقد طورت القوى المنتجة إلى درجة غير مسبوقة في تاريخ البشرية كله وبالتالي كانت قادرة على توسيع حدود الحضارة الإنسانية.

في تلك الأثناء وعلى الرغم من الطبيعة الاستغلالية للطبقة البرجوازية فإن التقدم الذي كان يحرزه المجتمع أدى إلى تنامي روح التفاؤل والتقدم التي كانت ميزة الليبرالية القديمة. لقد أبدعت البرجوازية في بداياتها بتثوير وسائل الإنتاج و لكن إبداعها هذا كما وصفه ماركس كان مثل السحر الذي ارتد عليها بعد أن فقدت السيطرة على القوى الجهنمية التي استخرجتها.

وباء فائض الإنتاج و تخمة الأسواق المحلية و العالمية جعل من البرجوازية أضيق من أن تستوعب الثروة التي تنتجها وبالتالي توجهت للتغلب على هذا الوباء بتدمير جزء من القوى المنتجة ( و أهمها العمال) بالعنف ومن جهة أخرى عبر غزو أسواق جديدة وبالتالي الإعداد لأزمات أشمل أصبحت وسائل تداركها غير ممكنة وهذا ما يفسر انتشار الأزمات و الحروب بشكل غير مسبوق.

وبعد أن وصلت البرجوازية إلى مرحلة انحطاطها بسبب عدم القدرة على الاستمرار بتثوير وسائل الإنتاج سقط القناع الذي كان يغطي الوجه القبيح للإيديولوجيا الليبرالية. إن الهم الوحيد للشركات الكبرى في العالم بأسره هو مراكمة الثروات من خلال النهب والفساد وسرقة المال العام. بالمحصلة فإن الليبرالية بصفتها إيديولوجيا الطبقة البرجوازية غطت وجهها القبيح بقناع التفاؤل. أما الآن وبعد أن تحول التفاؤل إلى سخط أصبحنا نرى الوجه الحقيقي.

☭ لا حلول على أسس رأسمالية

الجميع يتحدث عن الديمقراطية ولكن نحن الماركسيون نسأل في خدمة أي طبقة ستكون هذه الديمقراطية و من سوف يقوم بتنفيذها والاشراف عليها. معظم التيارات السياسية في سوريا الآن تطرح فكرة البرلمان بصفته هو الحل. حتى البعض ممن يسمون أنفسهم شيوعيين يعتبرون سوريا الديمقراطية البرلمانية من الممكن أن تكون مرحلة باتجاه الثورة الاشتراكية. على الرغم من التجارب القريبة جداً مثل مصر و تونس إلا أنه مازال من الصعب على هؤلاء السذج استيعاب أنه لا حلول على أسس رأسمالية. هنا سيتحفنا الأكثر ذكاءً من هؤلاء بقوله بأننا ديكتاتوريين لأننا لا نريد الحلول البرلمانية.

عندما نقول بأننا لا نريد الديمقراطية البرلمانية فلا يعني أن المخرج من البرلمانية هو الغاء المؤسسات التمثيلية والحق الانتخابي. بل ما نريده هو تحويل صيغة هذه المؤسسات التمثيلية من كونها ندوات للثرثرة شبيهة بسوق عكاظ يقصدها من كل حد وصوب من يريد القاء الخطب والأشعار إلى مؤسسات عاملة فعلاً تمارس الديمقراطية من الأسفل وبشكل يومي.

☭ انحطاط الديمقراطية البرجوازية

سمعنا العديد من الخطابات التي ألقاها بشار الأسد و التي يتحدث فيها عن أن الديمقراطية في الغرب ليست حقيقية. هذه الخطابات يتلقفها على الفور أعداء الماركسية من أجل الترويج لنقيض هذه الحقيقة بحجة أن بشار الأسد هو من قال ذلك. إن ما يقولوه بشار الأسد في بعض الأحيان حول هذه الديمقراطيات صحيح فعلاً ولكن المراد بأقواله هنا هو باطل. فهو يريد تبرير جرائم ديكتاتوريته عن طريق تسليط الضوء على النفاق الغربي. أما نحن فعندما نتكلم عن نفاق الديمقراطيات الغربية فذلك لأننا بكل بساطة لا نريد فقط إزاحة نظام الأسد الطبقي بل و نريد تقديم بديل يحقق مصالح الطبقات المسحوقة في سوريا و المنطقة وهذا يتطلب بالدرجة الأولى فضح نفاق الديمقراطيات الغربية التي دعمت نظام الأسد نفسه لعقود و التأكيد على أن أي بديل سيأتي عن طريق هذه الديمقراطيات هو بديل يحقق مصالحها و يبقي شعوب المنطقة في حالة هذيان مستمر.

لقد أسقطت القضية الفلسطينية القناع عن الوجه الحقيقي للديمقراطيات الغربية. في ألمانيا، أصبح ارتداء الكوفية الفلسطينية سبباً كافياً لإيقافك وتنظيم ضبط بحقك. في النمسا يتم محاكمة رفيقة ورفيق من الفرع النمساوي للتيار الماركسي الأممي ويواجهون عقوبة السجن لمدة عامين فقط لرفعهم شعار “الانتفاضة حتى النصر”. في سويسرا قامت جامعات زيورخ وبرن و فرايبورغ بإلغاء حجز غرف في الحرم الجامعي لرفاقنا الطلاب في الفرع السويسري للتيار الماركسي الأممي بسبب دعمهم للقضية الفلسطينية. هذه الديكتاتورية التي تمارسها الديمقراطية البرجوازية ليست بجديدة. في مقال كتبه الرفيق هانس – غيرد من الفرع الألماني للتيار الماركسي الأممي عن الانقلاب العسكري الذي نظمه فولفغانغ كاب في 13 آذار/ مارس من عام 1920 في ألمانيا، تم عرض حقيقة الديمقراطية البرجوازية في سطور وهنا نقتبس:

قبل شهرين من الانقلاب، كتب شتينز (أحد كبار الملاك في صناعة الفحم والصلب في منطقة الرور) في رسالة إلى أعضاء بارزين في الحكومة أن الوقت قد حان لإلغاء الديمقراطية البرلمانية في ألمانيا، وأنه “من خصائص الديمقراطية أن تجد ديكتاتورها في أوقات الخطر المميت

☭ البرلمانية : من المهد إلى اللحد

تحدثنا في الأعلى كيف كانت البرجوازية في بدياتها تقدمية وكيف ازدهرت معها الحياة السياسية والاجتماعية فكما أشار ماركس في البيان الشيوعي ” كل مرحلة من مراحل تطور البرجوازية تلك كانت مشفوعة بتقدم سياسي مطابق”. لذلك فقد كانت الديمقراطية البرلمانية في فترة صعود البرجوازية قادرة على الإقناع. كذلك الأمر في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية فقد كانت الطبقة السائدة آنذاك تستطيع تنفيذ مناورات برلمانية في فترة النهوض المؤقت هذه.

في تلك الأثناء كان الاشتراكيون الديمقراطيون ينفذون بالضبط مهامهم في إدارة العلاقة الطبقية ما بين الرأسماليين و العمال لصالح الرأسماليين. عندها بدأ السياسيون بالإصغاء إلى جون مينارد كينز ومفهوم دولة الرعاية الاجتماعية الحديثة. اعتمد المعسكر الغربي على القاعدة التي تنص على ضرورة الحفاظ على قدر كافي من كرامة المواطنين بحيث لا يتم فتح المجال مرة أخرى للبحث عن إيديولوجيات أكثر جاذبية سواء أكانت الفاشية أو الشيوعية الستالينية على غرار ما حدث في ألمانيا بعد فشل المد الثوري الذي استمر من عام 1918 إلى عام 1923 بتحقيق أهدافه حيث بدأت نازية هتلر آنذاك تظهر على مسرح التاريخ تحت وطأة الركود الناجم عن دفعها للتعويضات التي فرضت عليها بعد خسارتها الحرب العالمية الأولى.

قبل انهيار جدار برلين كانت الطبقة السائدة في الغرب مضطرة لتقديم بعض الاصلاحات. كان ذلك يتم بفعل ضغط الطبقة العاملة و حقيقة أن الاقتصاد كان مزدهراً و يمكنهم من تقديم تنازلات من أجل الحفاظ على الاستقرار الداخلي. بعد انهيار جدار برلين وزوال منافسة الحرب الباردة تغير اتجاه الرياح تماماً. والتنازلات التي تم انتزاعها من الرأسماليين في الماضي عاد الرأسماليين لانتزاعها بفعل حدوث الأزمات الناتجة عن السياسات الكينزية و وباء فائض الإنتاج.

الآن لم تعد البرلمانية تملك هامش المناورات بعد أن بدء الرأسماليون سعيهم لاستعادة الربحية عن طريق انتزاع مكاسب الماضي من الطبقة العاملة. في أرقام نشرها موقع (Statista) الألماني فقد انخفضت نسبة المشاركة بالانتخابات البرلمانية الألمانية من 91.1 % بالمئة في انتخابات عام 1972 إلى 70.8 % في عام 2009 أي بعد عام من الأزمة المالية العالمية. في انتخابات عام 2021 شارك 76.4 من الشعب بالانتخابات أي أن ما يقارب ربع الشعب الألماني لم يعد مقتنع بالمخارج البرلمانية للأزمات.

في ظل الرأسمالية فإن الطبقة السائدة هي التي تملي على البرلمان ما ينبغي فعله وليس العكس و يقومون بذلك بطريقتين. الأولى مباشرة وهي عن طريق تقديم الدعم المالي للأحزاب مقابل تنفيذ مصالحهم و الثانية عن طريق تأجيج صحفي يخلق رأي عام يدعم حزب أو مرشح/ة ما. تقرير التبرعات الفردية للمبالغ -الأعلى من 50 ألف يورو- التي تلقتها الأحزاب في عام 2023 و الذي تم نشره من قبل البرلمان الألماني أظهر أن التبرعات التي تلقاها التحالف المسيحي (CDU/CSU) من الشهر آذار/ مارس حتى شهر كانون الثاني / ديسمبر تجاوزت 1.745.000 يورو فيما بلغت التبرعات في نفس الفترة لحزب الخضر (Bündnis 90 / Die Grünen) 251.000 يورو وللحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) 255.492 يورو و للحزب الليبرالي (FDP) 306.901 بالإضافة إلى مبالغ أخرى لا يظهرها التقرير كونها أقل من 50 ألف يورو.

أما بخصوص الإعلام، فإن إلقاء نظرة على ما يسمى بتركز وسائل الإعلام، أي مقدار الحصة السوقية التي يمتلكها ناشر معين، و الحصة السوقية ل “سوق الآراء” و كيف هو التنوع في الصحف البرجوازية في الواقع كفيل بمعرفة كيف يتم توجيه الانتخابات. هذا هو بالضبط ما يبحث فيه معهد أبحاث الإعلام FORMATT في تحليل ينشر كل عامين. في دراسة أجراها عام 2020 ، يظهر الاتجاه بشكل واضح: أكبر خمسة ناشرين يتقاسمون ما يقرب من نصف إجمالي سوق الصحف اليومية في ألمانيا فيما بينهم. تمتلك مجموعة شتوتغارتر تسايتونج للنشر وأكسل شبرينغر ومجموعة فونكه الإعلامية ومجموعتي إيبن ومادساك للنشر حصة سوقية مشتركة تبلغ 41.3 في المائة. وبالتالي ، يمكن لعدد قليل من الشركات الكبيرة التأثير بشكل كبير على الرأي العام من خلال منشوراتها.

لقد أصبح من الواضح من يقوم بكل شيء وما هي ميكانيكية الديمقراطية البرلمانية. بهذا الشكل قامت كل الأحزاب البرلمانية في ألمانيا و بدون استثناء من أقصى اليسار (Die Linke) إلى أقصى اليمين (AFD) بالتصويت لتبني مشروع قرار يحضر منظمة صامدون الناشطة في مجال حقوق المعتقلين الفلسطينيين. من لم يتم تسييره بالمال تم اقتياده بالصحافة حتى انتفت أدنى درجات المعارضة في هذا البرلمان.

رغم كل ذلك، يتحفنا الليبراليون في كل لحظة بمدى جمالية تداول السلطة في الانتخابات الغربية. ما يحصل هو ليس تداول للسلطة و انما تداور الأدوار في خدمة رأس المال. تداول السلطة بمعناه الحقيقي هو عندما يظفر العمال بالسلطة من الرأسماليين. لكن ماذا يحدث عندما ينهض العمال من أجل ذلك؟ يخبرنا التاريخ بكل وضوح ماذا سوف يحدث. بعد انقلاب كاب انتفضت الطبقة العاملة الألمانية و دخلت في اضراب هو الأكبر بتاريخ ألمانيا شارك في ذروته 12 مليون عامل وتطور فيما بعد ليصبح حركة عمالية قامت بالسيطرة على المعامل و حاولت الوصول للسلطة. كنتيجة لذلك قامت الطبقة السائدة بارتكاب فظائع لا يمكن تصورها ضد العمال والنساء والأطفال.

تعرضوا لسوء المعاملة والضرب حتى الموت وإطلاق النار عليهم. تم القبض على الآلاف دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة وحشرهم في السجون. في سينيلاجر بالقرب من بيليفيلد ، تم احتجاز ما يصل إلى 1200 شخص في ظروف تشبه معسكرات الاعتقال.

☭ ناضلوا من أجل الديمقراطية العمالية

غالباً ما يُقال بأن الاشتراكية والديمقراطية لا تتوافقان ويستند أصحاب هذا الادعاء على ما حدث في روسيا الستالينية و المعسكر الاشتراكي الذي بني على صورتها. نحن الماركسيين نقف على النقيض من ذلك تماماً. نحن ندرك بأن الديمقراطية الحقيقية هي الأساس لكي تعمل الاشتراكية وتزدهر. لكننا هنا نتحدث عن الديمقراطية العمالية أي ديمقراطية الأغلبية. سيتمكن العمال و الفلاحون في كل مكان عمل وفي كل حي بأن يقوموا بانتخاب ممثلين عنهم وعلى عكس البرلمان سيكون لهذه المجالس سلطة تنفيذ القرارات التي تصدرها هي بنفسها.

سيتم انتخاب الممثلين بكل ديمقراطية و سيكونون خاضعين بشكل حاسم للمحاسبة و الحق في عزلهم. ومن أجل التصدي للوصولية يجب ألّا يتقاضى أي من هؤلاء المنتخبين أكثر من متوسط أجر عامل ويجب ألا يشغلوا المناصب أكثر من مدة معينة للسماح بمشاركة أكبر عدد من الناس بإدارة المجتمع. هكذا فقط يمكننا السيطرة الحقيقية على شؤون حياتنا عندما يتم ممارسة الديمقراطية من الأسفل للأعلى و بشكل يومي وليس خمس دقائق فقط كل خمس سنوات لانتخاب من سوف يقوم بخداع الجماهير في البرلمان عندما يتكلم باسمهم ثم ينفذ مصالح مموليه من الرأسماليين في الديمقراطية الرأسمالية .

في مقالته لصحيفة ” البرافدا” في 3 مايو من عام 1917 وصف لينين ببراعة هذه الديمقراطية :

تعلموا الديمقراطية في الممارسة على الفور بأنفسكم في القاعدة و استنهضوا الجماهير إلى الاشتراك الفعلي، المباشر و العام في الإدارة. ففي هذا وحده ضمان انتصار الثورة التام و زحفها الثابت المتبصر و المنتصر و المنظم إلى الأمام

هذه الديمقراطية العمالية والتي استطاعت في سنواتها الأولى بناء أسس الاقتصاد المخطط في روسيا و نقلت الاقتصاد الذي كان آنذاك شبيه بالاقتصاد الباكستاني اليوم إلى اقتصاد صمد في وجه تدخلات 21 جيش امبريالي اجتاحوا الاتحاد السوفياتي. كما صمد بوجه الجيش الأبيض القيصري المدعوم من الدول الغربية وفيما بعد أمام آلة الحرب النازية في الحرب العالمية الثانية. لطالما قلنا أن من انتصر في الحرب العالمية الثانية ليس ستالين و انما الاقتصاد المخطط على الرغم من وجود ستالين. هذا الاقتصاد الذي أسسه البلاشفة تحت قيادة لينين و تروتسكي و شوهته بيروقراطية ستالين. هذه البيروقراطية التي توقع تروتسكي نتائج أعمالها منذ البداية على النحو التالي: إما ثورة عمالية جديدة ليستعيد العمال السلطة من البيروقراطية الستالينية أو الذهاب بطريق الرأسمالية.

إن أردنا تحقيق التغيير الجذري والعميق، لا يجب أن نسعى فقط لإسقاط نظام بشار الأسد، بل أن يكون بديل هذا النظام هو نظام الديمقراطية العمالية. هكذا فقط يمكننا تطوير اقتصاد منتج و تصدير الثورة الاشتراكية لكل بلدان المنطقة. هكذا فقط يمكننا وضع كل الإمكانات البشرية والصناعية والزراعية و العسكرية في خدمة بناء الفيدرالية الاشتراكية الشرق أوسطية. ان كنتم تتفقون معنا تنظموا في الأممية الشيوعية الثورية، تنظموا في البديل الماركسي لنخوض نضالاً مشتركاً ضد الرأسمالية العالمية ووكلاءها في المنطقة من أنظمة استبدادية طبقية.

إرسال التعليق