رسالة من عامل…… إلى الأمام من أجل الديمقراطية العمالية
حوار تيار البديل الماركسي مع أحد عمال معمل ديلوكس للشوكولا.
من يقرأ الحوار الذي أجراه المدير التنفيذي لشركة ديلوكس وحيد إسماعيل مع موقع Sensyria يظن فعلاً أن الاقتصاد السوري مازال يقاوم ويكافح و أن البرجوازية الوطنية تلعب دوراً كبيراً في مواجهة الامبريالية وعقوباتها. خلال هذا الحوار طرح الرئيس التنفيذي للشركة بأن العقوبات الغربية تعيق تطورهم رغم أنه بعد عدة أسطر فقط و في نفس الحوار كان قد صرح:
” تقوم الشركة بتصدير بعض من منتجاتها لعدد من الدول العربية والأوربية ومنها لبنان والسعودية والإمارات والبحرين والكويت وقطر وليبيا بالإضافة الى ألمانيا وهولندا.”
من هنا نعلم تماماً أن عبء العقوبات و الأزمة الاقتصادية الخانقة لم يتحملها سوى المواطن السوري الفقير بشكل عام والعامل بشكل خاص بالوقت الذي بقيت فيه الطبقة البرجوازية السائدة قادرة على فتح قنوات لمنتجاتها ليس فقط للبلدان العربية بل أيضاً الأوروبية مصدرة القرار.
كان الحوار الذي أجراه الرئيس التنفيذي لشركة ديلوكس جزء من مهام الصحافة البرجوازية بصفتها جزء منها. وبصفتنا صحافة عمالية، أجرينا في تيار البديل الماركسي -سوريا حواراً مع أحد العمال في المصنع نفسه والذي سوف نتحفظ عن ذكر اسمة لأسباب أمنية، لتسليط الضوء على الوضع المأساوي الذي يعيشه عمال معمل ديلوكس للشوكولا.
☭ جحيم العمل يبدأ قبيل بزوغ الشمس
قبل بزوغ الفجر بأكثر من ساعتين، يضطر العمال للنهوض من فراشهم الدافئ، مجبرين على تجاهل التعب والإرهاق الذي أحل بهم نتيجة معاناة اليوم السابق ، ليهيئوا أنفسهم للذهاب إلى العمل ليصلوا في الموعد المحدد للدوام ( الساعة ٧,٣٠ ) في مصنع شوكولا ديلوكس وجونيفا ” deluxe and joniva chocolate factory ” الواقع على الطريق العام الواصل مدينة حماه السورية بمدينة السلمية
كانت هذه هي العبارة التي بدء فيها العامل حواره. هذه هي حال عمال معمل ديلوكس ولكن أيضاً كل العمال السوريين و العمال حول العالم. ينهضون مبكراً للذهاب إلى ما يشبه مركز اعتقال مجهز بكل وسائل الرقابة و استلاب الذات وكما وصفها لنا العامل في معمل ديلوكس:
في الاستقبال تنتظرنا أجهزة حديثة لتحليل البصمات مهمتها مراقبة الدوام وتحديد ساعات العمل بدقة ، فالوقت أكثر ما يهم أرباب العمل”
على الرغم من كل العقوبات وعلى الرغم من أن معظم السوريين يعيشون فيما يشبه العصر الجليدي لانعدام مصادر الطاقة إلا أن أجهزة تحليل البصمات الأكثر تطوراً مازالت متوفرة بيد البرجوازيين لممارسة قمعهم الطبقي على العمال.
أجهزة تحليل البصمات ليست الأجهزة الوحيدة التي حصلت عليها الطبقة السائدة في سوريا لممارسة قمعها، فقد بينت تقارير صادرة عن المنظمة الدولية لحماية الخصوصية الدولية كيف صارت شركات غربية مثل شركة “RCS SpA” الإيطالية، و”VASTech” الجنوب إفريقية، من “أكبر المساهمين في إشراف الدولة القمعي في سوريا” بين عامي 2007 و2012. ألمانيا لعبت دورها أيضاً، فالتقرير الذي صدر بعنوان “الموسم المفتوح” يوضح كيف قامت شركة “التكنولوجيا الألمانية المتقدمة” (AGT)، وهي شركة مقرها في دبي مع مكتب مراسلة في برلين، ببيع معدات للنظام السوري.
☭ انتاج فائض القيمة
أرسل لنا العامل كشف تفصيلي بمرتبه. يتقاضى العامل مقابل هذا العمل المرهق والرتيب مبلغاً وقدره 125000 ل.س شهرياً ( 8.5 دولار). أي بالنسبة له 4000 ليرة ( 0.27 دولار) باليوم مع احتمالية الخصم إذا تصرف أو اعترض أو احتج. يحصل العمال على مكافئة شهرية بمبلغ لا يتجاوز ال 25 دولار. هذا المبلغ الزهيد هو لقاء بيع ساعات العمل اليومية التي تصل إلى 12 ساعة عمل إذا ما أضفنا لساعات العمل اليومي مسافة الطريق ذهاباً و إياباً. الجدير بالذكر أن كل ما يحصل عليه العامل شهرياً في معمل ديلوكس للشوكولا يكفي لمصاريف أربعة أيام فقط.
يضيف العامل:
إن إنتاج يوم واحد يغطي تكاليف أجور العمال لشهر كامل. توزيع البضائع في السوق المحلية أقل من الصادرات التي توزع خارج البلد ( الأردن _ ليبيا _ تركيا وغيرها ) ، الأمر الذي يسمح لأصحاب المصنع
بالحصول على العملة الصعبة. إن الإنتاج اليومي للمعمل عالي جداً ، فمثلاً يقوم بتصدير ثلاث برادات شحن شهرياً للأردن وحدها ويبلغ الضغط ذروته في المناسبات والأعياد، وكل ذلك على حساب العمال وجهدهم ولا يتم تعويضهم بشيء يُذكر
كانت هذه العبارة التي ذكرها العامل تلخيصاً واضحاً للطريقة التي يقوم من خلالها الرأسمالي بخلق فائض القيمة اللازم لاستمرار تواجده في السوق. الطبقة العاملة تقوم بتوليد كل قيمة جديدة في المجتمع عندما تضيف قيمة إلى السلع من خلال استخدام قوة عملها في عملية الإنتاج. هذه القيمة التي يُحدَد مقدارها من خلال وقت العمل هي الصندوق الوحيد الذي يمكن لكل من العامل و الرأسمالي سحب حصصهم أو أرباحهم على شكل أجور وأرباح. وعليه فإن زيادة أرباح الرأسمالي تتطلب بالضرورة تخفيف أجور العمال إلى الحد الأدنى
☭ ظروف عمل لا إنسانية
يتابع العامل حديثه عن الظروف اللاإنسانية التي يعمل بها العمال:
يعاني العمال من درجات الحرارة المنخفضة عندما يتم تشغيل المكيفات للحفاظ على قوام الشوكولا مما يسبب لبعض العمال أمراض بسبب انخفاض درجة حرارة الجسم طيلة اليوم . يتعرض الكثير لإصابات عمل، بسبب سوء تغليف الأسلاك الكهربائية وعزلها ، خصوصاً من يتعاملون بشكل مباشر مع الآلة، كما يوجد الكثير من حالات الإغماء والدوار والتشنجات نتيجة ضغط العمل أو التسمم الناتج عن المواد الأولية التي تدخل في صناعة الشوكولا.
لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد. لقد وصل الابتزاز إلى حدود غير مسبوقة أضحى عندها العامل يدفع حياته من أجل لقمة العيش. يتابع العامل حديثه قائلاً:
أحد العمال توفي الشهر الماضي نتيجة الضغط الكبير، لا نعلم كيف تعاملت إدارة المعمل مع الحادثة. لا نعلم إذا ما قدموا لذويه تعويض ، لكن ما نعلمه أن الزملاء قاموا بجمع مبلغ مالي وقدموه لأُسرته .
☭ الفساد البيروقراطي
في ظل هذه الأوضاع بالتأكيد فإن اغتراب العمال عن عملهم هو النتيجة الحتمية. هذا الاغتراب سوف ينشر بين العمال حالة من عدم الانتماء يسعى الرأسمالي لحلها عن طريق جهاز بيروقراطي يضبط العمل كما يريده هو. في هذا السياق يطلعنا العامل على المزيد من التفاصيل:
النظام الإداري للمعمل لا يطاق. لا يعلم العامل متى سينال عقوبة وكيف، فإذا ما توجه للمشالح من أجل الراحة أو لتناول طعامه ضمن فترة الراحة المسموح بها ( ربع ساعة في اليوم ) قد يُتهم بالتأخير ويُخصم من راتبه. أما النظافة فهي أمر ثانوي بالنسبة للجهاز الإداري البيروقراطي ، يتم التعامل مع اللجنة الرقابية المسؤولة عن سلامة الأغذية من خلال الرشاوى و الالتفاف عليها بإظهار النظافة، وعند ذهابها يعود كل شيء كما كان. أصبح مشهد العجين التي يسقط على الأرض ليُعاد إرجاعه إلى العجانات هو مشهد يتكرر بشكل عادي، وعندما يُقيَّم الوصف الصحي للمنتج يُكتب أنه ( لا تمسها الأيدي )
☭ رسالتنا إلى عمال معمل ديلوكس
العاملات و العمال في معمل ديلوكس،
هذا الاستغلال الذي تعايشونه هو ليس فقط في المعمل الذي تعملون فيه، و إنما في كل المعامل السورية ولن نبالغ إن قلنا في كل بلدان العالم. الرسالة التي وصلتنا تعطينا صورة واضحة عن مدى تغول الطبقة البرجوازية باستغلال الطبقة العاملة لإنتاج أرباحها منها.
في البداية يبحث العمال عن حلول فردية، لذلك عندما يشعرون بالظلم الشديد فهم يملكون فقط حق الانتقال ليتم استعبادهم من قبل رأسمالي آخر. هنا يكون العامل حر من الناحية الرسمية ويبيع “طوعاً” قدرته على العمل مقابل أجر. إنه ليس مستعبداً من الناحية الرسمية أو مملوكا لصاحب العمل.
ولكن في الواقع، يصبح العمال مستعبدين للطبقة الرأسمالية ككل.
في ظل الإقطاع، كان على القن أن يسلم نسبة معينة من ناتج عمله للسيد و في ظل العبودية كان العبد مشدود لمالكه بأغلال. لذا فقد كان الاستغلال واضحاً للجميع. لكن في الرأسمالية، يتم الاستغلال بشكل مُقنَّع. فالعامل المأجور مشدود للرأسمالي بخيوط غير مرئية.
لكن هذه الخيوط رغم أنها غير مرئية، إلا أنها كلما اشتدت أزمة الرأسمالي كلما اشتدت على رقاب العمال الذين عليهم دفع فاتورة الأزمة من جيوبهم الخاصة.
أنتم الآن تدركون ما هي الأوبئة التي تعانون منها، البطالة، البؤس، البيروقراطية، الاستغلال. أي هي أوبئة الرأسمالية. لذلك فإن سلوك أي طريق في ظل الرأسمالية سوف يؤدي بكم إلى نفس المكان.
النظام الحاكم في سوريا و المعارضة الانتهازية التي ادعت أنها تناضل من أجل الشعب السوري لا يملكون أي قدرة على تغيير واقعكم. واقعكم هذا لن يتغير بوجود هؤلاء . لا يوجد بديل لهذا الواقع سوى سلوك الطريق الثوري الذي يقضي على كافة الأوبئة الرأسمالية و الآليات التي تؤبدها. إن المهمة التي تواجه الطبقة العاملة اليوم هي النضال من أجل اشتراكية حقيقية وليس من أجل ذلك التشويه الفظ للاشتراكية الذي مثله حزب البعث و الأحزاب الشيوعية الستالينية.
هذا الاستغلال وهذا النظام البيروقراطي الذين يشكلون لكم وحش رهيب لن يتم القضاء عليه إلا بالديمقراطية العمالية. تعتبر الديمقراطية العمالية، شريان الحياة للدولة الاشتراكية. والأهم من ذلك كله هو فهم أن الاشتراكية في بلد واحد مسألة مستحيلة. لهذا السبب نحن أمميون، ولهذا السبب نناضل من أجل الاشتراكية ليس في [قطر واحد] بل في جميع أنحاء العالم. هذه هي الاشتراكية التي نناضل من أجلها: الاشتراكية التي ستقضي على الفشل الحقيقي للعصر الحديث، أي: الرأسمالية.
كل هذا لا يمكن أن يتحقق إن لم نستطيع بناء الحزب الثوري الذي سوف يناضل على رأس الطبقة العاملة من أجل أن يصبح انتاج معملكم وباقي المعامل هو ملككم وملك كل فقير وليس فقط ملك هؤلاء البرجوازيين الذين يستغلونكم. مازال لدينا مشوار طويل وكل يوم تتأخرون فيه سوف يضاف إلى سجل معاناتكم و معاناة الأجيال القادمة من العمال و الطبقات المسحوقة.
إن كنتم تتفقون معنا التحقوا بنا في تيار البديل الماركسي – سوريا، التحقوا بنا في التيار الماركسي الأممي