القرار 2254 …… تضليل للفئات الثورية و استمرار لمآسي الشعب

دخلت مظاهرات محافظة السويداء السورية شهرها الثالث على التوالي في ظل غياب واضح للقيادة الثورية. رفع المتظاهرون شعارات عدة وكانت المطالبة بتطبيق القرار الأممي “2254” من أبرزها. قمنا في تيار البديل الماركسي بالتواصل و بشكل عشوائي مع عدد من المطالبين بتطبيق هذا القرار وتبين لنا أن الأغلبية الساحقة لم تطلع حتى على القرار و لا تعرف ما هي آلية تطبيقه.

☭ ما هو القرار 2254؟

يشمل القرار الأممي 2254 الذي تقدمت به الولايات المتحدة و وافقت عليه روسيا عام 2015 على ستة عشر مادة. المادة الرابعة من هذا القرار تنص على دعم عملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة على أن تقود في غضون ستة أشهر إلى حكمٍ “ذا مصداقية يشمل الجميع” و “لا يقوم على الطائفية”. هذه الفقرة تحدد أيضاً جدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد، فيما يعرب مجلس الأمن عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى عملاً بالدستور الجديد في غضون ثمانية عشر شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة.

أصبح من الشائع رؤية متظاهرين أو فنانين أو حتى أطفال يرفعون لافتات تطالب بتطبيق القرار الأممي 2254 كطريقة للانتقال السياسي متجاهلين بذلك تجارب تونس و مصر و السودان التي حصل فيها انتقالات سياسية أدت إلى وضع جديد يفوق الوضع القديم سوءاً. بعد خبرات ثورات الربيع العربي بات واضحاً أن الجماهير قد تعلمت من الدرس، فالجماهير لن تخرج من منازلها للنوم في العراء. يمكن تلخيص ما حدث في العقد الماضي في أن الجماهير قدمت تضحيات جسيمة خلال ثوراتها، لتقوم في نهاية المطاف بتقديم السلطة على طبق من ذهب لتيارات سياسية انتهازية أخرى بدل من أن تظفر هي نفسها بالسلطة. هل تتوقعون أن الشعوب لم تتعلم؟ القرار 2254 ليس استثناء.

إن عزوف الجماهير في السويداء خصوصاً و سوريا عموماً عن المشاركة الحثيثة في التظاهرات ما هو إلا نتيجة منطقية نظراً للتجارب التي سبق ذكرها، فلم يتجاوز عدد المتظاهرين في أكبر مظاهرة ثلاثة آلاف متظاهر بالرغم من أن خمسة عشر مليون سوري يعيشون تحت خط الفقر. هذا التردد في المشاركة في المظاهرات يدل على أن الشعوب لن تضحي في سبيل قرار روسي أمريكي يعطي حق تقرير مصير الشعب السوري للنظام و أشباهه في المعارضة و ما يسمى بالمجتمع المدني. فعن أي هراء تتحدثون؟

☭ الاحتلال الروسي و أدواته يتبنون أيضاً القرار 2254 كمخرج وحيد للحل

ما إن أُقرّ القرار الأممي رقم 2254 حتى بدأت روسيا بتحركات كبيرة في الميدان لفرض واقع جديد على الأرض بغاية تحديد اتجاه المسار السياسي للقرار 2254 ونتائجه حتى قبل انطلاقه، فأطلقت حملة عسكرية واسعة النطاق لاستعادة المناطق الاستراتيجية وهو ما حصل بنهاية عام 2018.

لا يقتصر التمسك بالقرار على الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا و المعارضة الانتهازية فقط، بل أن روسيا أيضاً أكدت على أن القرار 2254 هو المخرج الوحيد للأزمة السورية. في أحد تصريحاته أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على أن بلاده ملتزمة بهذا القرار عندما صرّح قائلاً:

“خطة التسوية جاهزة بالنسبة إلينا، وتمت الموافقة عليها في مجلس الأمن بموجب القرار 2254، وليس في واشنطن” و أضاف: “إن قرار مجلس الأمن المشار إليه يوضح جميع جوانب التسوية المستندة إلى مبدأ أن الشعب السوري هو المخول الوحيد في تقرير مصير بلاده”

حتى النظام السوري عبر مراراً و تكراراً عن التزامه بالقرار 2254 حيث صرح المبعوث الأممي جير بيدرسون في إحاطة صحفية قدمها في أوائل عام 2023 بعد لقائه بوزير الخارجية السوري فيصل المقداد “الخبر السار هو أن جميع الأطراف في سوريا لا تزال ملتزمة بـ2254 و لكن السؤال هنا: هل يمكننا البدء ببناء القليل من الثقة حتى نتمكن من المضي قدماً؟”

من جهته لم يتوانَ حزب الإرادة الشعبية الستاليني والذي يعيش أمينه العام قدري جميل في موسكو و يمثل مصالح الأوليغارشية الروسية في سوريا ولا للحظة عن تبني هذا القرار الذي يمثل المخرج الآمن لمصالح روسيا و أبواقها في سوريا. هذا القرار ينص على ضرورة خروج كافة قوى الاحتلال الأجنبية والتي لا تُعتبر روسيا جزءاً منها حسب القانون الدولي لكونها متواجدة على الأرض بدعوة رسمية من النظام السوري. و لذلك، إن أي تطبيق لهذا القرار لن يأتي بأي مخرجات قد تضر بالتواجد الروسي الاقتصادي والعسكري في سوريا وهو ما ينطبق على إيران أيضاً كونها موجودة بدعوة رسمية من النظام السوري.

☭ لماذا نقف بحزم ضد القرار 2254؟

موقفنا الماركسي الثابت يجعلنا دائماً قادرين على البقاء حيث يجب أن نكون و ألّا ننجرف بسيول الإعلام و السياسيين البرجوازيين. إن القرار 2254 هو كارثة على الشعب السوري سواء كان قابلاً للتطبيق أم لم يكن، ففي حال كان قابلاً للتطبيق فعلاً فالجهات التي سوف تقوم بتطبيقه هي النظام و المعارضة بمنصاتها المختلفة (الائتلاف المعارض و هيئة التفاوض و حزب الإرادة الشعبية) بالإضافة إلى انتهازيي ما يسمى بالمجتمع المدني.

بالنظر إلى هذه المكونات يمكن الجزم بأن القرار 2254 لن يُطبق إذا لم يخرج بمخرجات تضمن مصالح الامبرياليتين الروسية و الأمريكية و منفذي مصالحهم في سوريا و بالتالي ستكون وظيفة هذا القرار هي تحويل الحالة الغير رسمية في سوريا الآن من تقسيم واحتلالات و سلطات أمر واقع إلى حالة رسمية. صياغة القرار كانت غامضةً و تحتمل تأويلات مختلفة خصوصاً عند الإشارة إلى المرحلة الانتقالية وشكل هيئة الحكم/ الحكومة الانتقالية، فضلاً عن أن القرار لم يشر إلى مستقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد. بسبب هذا الغموض أصبحنا نرى تفسيرات مختلفة لهذا القرار يذهب كل منها في اتجاه مختلف.

المأساة الأكبر هي أن القرار 2254 يحتوي على بنود غير قابلة للتفاوض حسب الاتفاق، أي يجب أن تكون ملزمة التطبيق لحظة إصدار القرار مثل الافراج عن المعتقلين السياسيين و إيصال المساعدات الإنسانية. و لكن لم يتم حتى الآن الالتزام بتطبيق أي هذه البنود، فكيف سيتم الالتزام بما هو سياسي في القرار؟ البعض يقول: نريد 2254 لأنه لا يوجد حل آخر. نعم صحيح، فالساحة الآن لا تحتوي أي حلول لأنه لا يوجد حلول سحرية و مختصرة للأزمة السورية. حتى القرار 2254 لا يشكل حلاً للشعب السوري، وماذا إن قلنا لكم بأن 2254 قد يكون الحل لبشار الأسد ذات نفسه؟

هل لاحظ أحدكم أن التطور الملحوظ في القرار 2254 يأتي فقط في سياق اللجنة الدستورية؟ ألم يلاحظ أحدكم أن القرار برمته يتحول إلى مجرد مشاورات بين أطراف القرار من أجل تحقيق عملية الإصلاح الدستوري؟ ألا يمكن أن يكون هذا السيناريو هو صمام الأمان لبشار الأسد الذي سوف تنتهي ولايته عام 2027 و لن يحق له الترشح لولاية أخرى وفق الدستور الذي تمت صياغته عام 2012؟ ألا يمكن إذاً أن تكون هذه الإصلاحات الدستورية التي سوف يشارك النظام بصياغاتها (كما ينص القرار 2254) هي من سيعطي بشار الأسد الحق بالترشح من جديد لحكم سوريا بوجود حكومة تضم كل أطراف هذ القرار؟ البعض ينفي إمكانية التلاعب بالانتخابات نظراً لإشراف الأمم المتحدة عليها.

نحن نقول أنه لا يمكن لأي شيء أن يكون حراً ونزيهاً تحت إشراف الأمم المتحدة. نطرح كل هذه الأسئلة على كل من يطالب بتطبيق هذا القرار دون أن يطلع عليه. إذا افترضنا جدلاً أن القرار 2254 سيطبّق فعلاً فلن نحصل بحال من الأحوال على نتائجه البائسة إلا بعد عقدين أو ثلاثة عقود.

منذ صدور القرار تعاقب مبعوثان أمميان خاصان بسوريا، الأول هو ستيفان دي مستورا والثاني جير بيدرسون. هاتان الشخصيتان لم تتمكنا من إحراز أي تقدم في المشهد السياسي بالرغم من تأكيدهما على أن مفتاح الحل هو “2254”. لذلك يمكن رؤية القرار 2254 كمتاهة تحتوي على مئات الطرق المغلقة وطريق واحد مفتوح، و لكن هذا الطريق المفتوح يفضي إلى مستنقع آخر.

☭ ما العمل؟

إن ما يحصل في سوريا الآن لا يمكن فصله عمّا يحصل في فلسطين أو العراق أو أوكرانيا أو أي منطقة صراع في العالم. لذلك نقول أن من يسعى لإيجاد حلول خاصة في السياق السوري هو بكل بساطة منفصل عن الواقع. قد أصبح من المألوف لمن أعتاد قراءة مقالاتنا أن يرى أن الحل الوحيد في برنامجنا يكمن ببناء الحزب الثوري.

هذا الحزب سوف يحمل على عاتقه النضال من أجل بناء فدرالية اشتراكية ديمقراطية شرق أوسطية. في مقاله “البرنامج الانتقالي ومهام الأممية الرابعة” كتب الرفيق ليون تروتسكي: “يتسم الوضع السياسي العالمي بمجمله وقبل كل شيء بالأزمة التاريخية لقيادة البروليتاريا”، فقد أثبت التاريخ أنه لا حلول في ظل غياب هذه القيادة الثورية وباقي ما تبقى هي الحلول التي تطرحها الامبرياليات العالمية سواء كانت شرقية أو غربية لتحقيق مصالحها.

سيقول أصحاب النظرة التشاؤمية أن برنامجنا يحتاج وقتاً طويلاً ليتحقق. هؤلاء الذين يسمون أنفسهم “واقعيون” يتشبثون بعناد بالقرار 2254 ويروجون للجماهير بأنه الحل الوحيد الممكن فقط لمجرد كونه موجود بالفعل ومطروح على الساحة السياسية السورية. من الجدير بالذكر أيضاً أن كل الجهات السياسية المعنية بالوضع السوري غير مستقلة وغير معنية أصلاً بوضع الطبقات الفقيرة في سوريا و لا تقدم حلول تراعي وضع الأخيرة و تطلعاتها المستقبلية. لذلك ندعوكم للانتساب للتيار الماركسي الأممي من أجل خلق الحلول و بناء الحزب الثوري، فليس هنالك من حلٍ آخر ولا توجد طرق مختصرة للحرية.

#التيار_الماركسي_الأممي

#تيار_البديل_الماركسي_سوريا

#الحزب_الثوري

إرسال التعليق